ماذا فهمت من وصف السورة في المصحف بمكية او مدنية؟

ماذا فهمت من وصف السورة في المصحف بمكية او مدنية؟


ماذا فهمت من وصف السورة في المصحف بمكية او مدنية؟

بسم الله الرحمن الرحيم
وما فائدة أن تفهم وتعرف المكي من المدني؟


للعلماء في تعريف المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة:
الأول: وهو ما عليه الجمهور وهو أكثرهم حصرا وضبطا وسيتبين لنا لماذا، وهو تعريف أو تقسيم بناءا على الزمان بمعنى أن المكي من الآيات هو ما نزل قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلموحتى إن كان مكان نزوله في غير مكة، ويدخل فيه ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة، والمدني: هو ما نزل بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان نزوله في غير المدينة ويدخل فيه ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أسفاره بعد الهجرة، فنلاحظ هنا أن التقسيم بناءا على الزمان، وعلى هذا نجد آية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًافَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، تعتبر من المكي أم المدني؟ فكلنا نعلم أنها أنزلت بعرفة في حجة الوداع ، إذا هي نزلت بمكة ولكنها نزلت بعد الهجرة فعلى هذا التقسيم وهذا التعريف تكون الآية مدنية برغم نزولها في مكة

أما التعريف الثاني: قسم المكي والمدني فيه تقسيما لوحظ فيه المكان، فما نزل بمكة يكون مكي ويدخل فيها ضواحيها مثل منى وعرفات، والمدني هو ما نزل بالمدينة وضواحيها كالذي نزل ببدر، ولكن هذا التعريف لا يجعل القسمين حاصرين لكل آيات القرآن لأنه ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في الأسفار مثل ما نزل في تبوك لن يدخل ولا في المكي ولا في المدني بل سيكون خارج القسمين

أما التعريف الثالث: لوحظ في تقسيمه أنه بناءا على المخاطب بمعنى أنه ما وقع خطابا لأهل مكة فهو مكي وما وقع خطابا لأهل المدينة فهو مدني، ومنه ما نقل عن ابن مسعود أنه قال: ما كان في القرآن ياأيها الذين ءامنوا نزل بالمدينة وما كان يا أيها الناس فبمكة، وما نقل عن ميمون بن مهران التابعي أنه قال: ما كان في القرآن يا أيها الناس أو يا بني ءادم فإنه مكي وما كان ياأيها الذين ءامنوا فإنه مدني وهنا نفس المشكلة لانه غير حاصر لان الكثير من الآيات ليس فيها ولا يا أيها الناس ولا يا أيها الذين ءامنوا وكذلك هو منقوض بسورة البقرةالمدنية وفيها يا أيها الناس اعبدوا ربكم وبسورة النساء المدنية وأولها يا أيها الناس اتقوا ربكم

وهذا ضابط ضعيف فإذا كان سببه هو كثرة عدد المؤمنين بالمدينة دون مكة، فاولا يمكن وجائز مخاطبة المؤمنين بصفتهم وباسم جنسهم، وان قالوا بأن هذا التقسيم أنه الغالب والاكثر على ذلك فانه المطلوب في التعاريف ان تكون حاصرة.

ولكن هنا نأخذ ثمرة وفائدة مهمة، وهي ملاحظتنا عناية العلماء بالمكي والمدني، وقد عَنِيَ العلماء بتحقيق المكي والمدني عناية فائقة، فتتبعوا القرآن آية آية، وسورة سورة، لترتيبها وفق نزولها، مراعين في ذلك الزمان والمكان والخطاب، لا يكتفون بزمن النزول، ولا بمكانه، بل يجمعون بين الزمان والمكان والخطاب، بل وتتبعوا ما نزل في السفر وفي الليل والنهار وسيأتينا الكلام عن هذا لاحقا ولكن الآن نريد أن لماذا اهتم الصحابة والتابعين وتابعيهم والعلماء بهذا المبحث وبذلوا فيه كل هذه الجهود والمؤلفات؟

لأن فيه فوائد كثيرة في فهم كتاب الله أولها معرفة الناسخ والمنسوخ، فإن وردت آيتان متعارضتان فكيف نعرف ما نزل أولا فيكون منسوخا وما نزل بعده فيكون ناسخا للآية الاولى، فهنا معرفة المكي والمدني يساعد على معرفة نزول الآيات من حيث الزمان
وثانيا: معرفة المكي والمدني يعين على معرفة تاريخ التشريع والوقوف على سنة الله الحكيمة وبأي التشريعات نبدأ عند دعوة غير المسلمين، فإنه يكون بتقديم التوحيد أولا ثم بعد ذلك التكاليف العملية فكيف تأمر الغير موحد أولا بتكاليف عملية؟ فهذه الخطوات الدعوية إنما تعلمناها وفهمناها من كتاب الله وكذلك لمعرفة الحكمة البالغة في تدرج التشريع.

ونجد أنه المكي يتميز بموضوعات العقيدة كما بينا من الايمان بالله واليوم الآخر
والملائكة والرسل وكان هذا مناسبا لانهم كانوا قوم كانوا وثنيين ومشركين ولا يقرون بالأنبياء ولا بالبعث، وكذلك فيه الدعوة الى ترك التقليد الأعمى وإقامة الحجة عليهم في بطلان دعوتهم والدعوة إلى أصول التشريعات العامة التي لا تتغير بتغير الزمان ولا المكان خاصة ما يتعلق بحفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسب والثبات في العقيدة والصدق وبر الوالدين وهي أمور تتفق فيها جميع الشرائع السماوية